recent
أخبار ساخنة

## **لماذا تجذبنا الأخبار السيئة؟ سيكولوجية الخوف وأرباح الكوارث**

 

## **لماذا تجذبنا الأخبار السيئة؟ سيكولوجية الخوف وأرباح الكوارث**

 

هل وجدت نفسك يومًا عالقًا في حلقة مفرغة منتصفح الأخبار السلبية، تنتقل من عنوان مأساوي إلى آخر دون توقف؟ هذه الظاهرة، التي باتت تعرف بـ "التمرير المحتوم" (Doomscrolling)، ليست مجرد صدفة أو ضعف إرادة، بل هي انعكاس لآليات نفسية وبيولوجية معقدة، تستغلها منظومات إعلامية واقتصادية لتحقيق أهدافها. في هذا المقال، نتعمق في الأسباب التي تجعل الأخبار السيئة أكثر جاذبية، ونكشف كيف يتحول قلقنا الفردي إلى محرك لأرباح ضخمة.

هل وجدت نفسك يومًا عالقًا في حلقة مفرغة من تصفح الأخبار السلبية، تنتقل من عنوان مأساوي إلى آخر دون توقف؟ هذه الظاهرة، التي باتت تعرف بـ "التمرير المحتوم" (Doomscrolling)، ليست مجرد صدفة أو ضعف إرادة، بل هي انعكاس لآليات نفسية وبيولوجية معقدة، تستغلها منظومات إعلامية واقتصادية لتحقيق أهدافها. في هذا المقال، نتعمق في الأسباب التي تجعل الأخبار السيئة أكثر جاذبية، ونكشف كيف يتحول قلقنا الفردي إلى محرك لأرباح ضخمة.
## **لماذا تجذبنا الأخبار السيئة؟ سيكولوجية الخوف وأرباح الكوارث**


## **لماذا تجذبنا الأخبار السيئة؟ سيكولوجية الخوف وأرباح الكوارث**


### **غريزة البقاء لماذا يفضل دماغنا الخطر؟**

 

في أعماق أدمغتنا، تكمن برمجة تطورية ورثناها عن أسلافنا الأوائل. من أجل البقاء في بيئة مليئة بالمخاطر، كان من الضروري إعطاء الأولوية للمعلومات التي تشير إلى تهديد محتمل. سماع حفيف الأغصان الذي قد يعني اقتراب حيوان مفترس كان أهم بكثير من الاستمتاع بتغريد العصافير.

 

  • هذه "السلبية المتحيزة" (Negativity Bias) مثبتة علميًا. أظهرت دراسات علوم الدماغ، مثل دراسة
  •  نُشرت عام 2014، أن مناطق معينة في الدماغ مثل **اللوزة الدماغية (Amygdala)**، المسؤولة
  •  عن معالجة الخوف، و**القشرة الحزامية الأمامية (Anterior Cingulate Cortex)**، التي
  •  تلعب دورًا في الانتباه واتخاذ القرار، تنشط بشكل أكبر عند تلقي أخبار سيئة مقارنة بالأخبار الجيدة.
  •  دماغنا مصمم ليتفاعل مع الخطر، والأخبار السيئة اليوم هي النسخة الحديثة من هدير الأسد في
  •  البرية؛ إنها تطلق نظامنا الغريزي وتجبرنا على الانتباه.

 

### **سيكولوجية الانجذاب للسلبية بين الفضول والأمان الزائف**

 

يتجاوز الأمر مجرد غريزة البقاء ليصل إلى دوافع نفسية أكثر تعقيدًا. يصف علماء النفس هذا الانجذاب بـ **"التلصص العاطفي" (Emotional Voyeurism)**، وهو الرغبة في اختبار مشاعر قوية مثل الخوف والحزن من مسافة آمنة. عندما نتابع أخبار كارثة طبيعية أو حرب في بلد بعيد، فإننا نختبر الألم بشكل غير مباشر، مما يتيح لنا معالجة هذه المشاعر دون أن يمسنا الخطر الحقيقي.

 

  1. وهناك دافع آخر هو البحث عن الطمأنينة عبر المقارنة. ففي زلزال هايتي عام 2010، لاحظ الباحثون
  2.  أن متابعة المأساة منحت الكثيرين شعورًا بالامتنان لوجودهم في أمان، وكأن رؤية معاناة الآخرين
  3.  تجعل مشاكلنا تبدو أقل أهمية، مما يمنحنا جرعة مؤقتة من الأمان النفسي.

 

لكن هذا الانجذاب له ثمن باهظ. التعرض المستمر للأخبار السلبية يؤدي إلى حالة من **"القلق الإخباري"**. فقد وجدت دراسة من جامعة تورنتو عام 2022 أن الأفراد الذين يتابعون الأخبار لأكثر من ساعتين يوميًا هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 28%. هذا القلق المزمن يرهق الصحة النفسية ويفقدنا الشعور بالسيطرة، ويحول العالم في نظرنا إلى مكان أكثر خطورة مما هو عليه في الواقع.

 

### **اقتصاد الخوف كيف تستثمر وسائل الإعلام في قلقنا؟**

 

في عالم الإعلام الرقمي، الانتباه هو العملة الأغلى، والخوف هو أسرع طريقة لجذبه. تدرك المؤسسات الإعلامية أن العناوين الصادمة والمحتوى المثير للقلق يحققان نسب قراءة ومشاركة أعلى بكثير من القصص الإيجابية.

 

*   **انتشار أسرع:** كشفت دراسة من جامعة هارفارد أن الأخبار السلبية تنتشر بنسبة 64% أكثر من الإيجابية على وسائل التواصل الاجتماعي. وأكدت دراسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عام 2018 أن الأخبار الكاذبة، التي غالبًا ما تكون مثيرة وسلبية، تنتشر أسرع بست مرات من الأخبار الحقيقية.

*   **أرباح الإعلانات:** خلال الأزمات الكبرى، يرتفع الطلب على المساحات الإعلانية. فوفقًا لبيانات من جامعة كامبريدج، تُباع الإعلانات بأسعار أعلى بمعدل 3.4 مرة خلال فترات الأزمات. هذا ما يُعرف بـ **"اقتصاد الخوف"**، حيث يصبح قلق الجمهور سلعة مربحة.

*   **نماذج واقعية:** أثناء جائحة كوفيد-19، ارتفعت مشاهدات القنوات الإخبارية بنسبة 73%، وتصدرت تطبيقات الأخبار قوائم التحميل. وكذلك الأمر خلال الزلزال المدمر في تركيا وسوريا عام 2023، حيث حصدت مقاطع الفيديو من تحت الأنقاض ملايين المشاهدات في دقائق.

 

### **رأسمالية الكوارث عندما تتحول المأساة إلى فرصة**

 

لا يقتصر استغلال الخوف على الإعلام. في كتابها الشهير **"عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث"**، تشرح الكاتبة نعومي كلاين كيف تُستخدم الأزمات الكبرى (حروب، كوارث طبيعية، هجمات إرهابية) كفرصة لتمرير سياسات اقتصادية جذرية لم تكن لتحظى بالقبول في الظروف العادية.

 

عندما يكون المجتمع في حالة صدمة وخوف، يصبح أكثر قابلية للتنازل عن حقوقه وقبول تغييرات مؤلمة مثل خصخصة القطاعات الحيوية (كالتعليم والصحة)، وفرض إجراءات تقشفية قاسية.

*   **إعصار كاترينا (2005):** استُغلت الفوضى لخصخصة نظام التعليم العام في نيو أورلينز بالكامل.

*   **الغزو الأمريكي للعراق (2003):** فُتحت أبواب الاقتصاد العراقي أمام الشركات الأجنبية، وخُصخصت قطاعات سيادية.

*   **تسونامي (2004):** في سريلانكا، أُجلي الصيادون الفقراء من الشواطئ التي دمرت، لتحل محلهم المنتجعات السياحية الفاخرة التي بناها كبار المستثمرين.

 

### **التداعيات الاجتماعية والسياسية: من نظريات المؤامرة إلى الشعبوية**

 

العيش في مناخ دائم من الخوف يترك ندوبًا عميقة في النسيج الاجتماعي والسياسي.

1.  **انتشار نظريات المؤامرة:** عندما تغيب الثقة وتعم الفوضى، يبحث الناس عن تفسيرات بسيطة للأحداث المعقدة. هذا يفسر لماذا انتشرت نظريات حول تصنيع فيروس كورونا في مختبر، أو تلك التي أحاطت بانفجار مرفأ بيروت.

2.  **خلق عدو مشترك:** يشرح عالم الاجتماع إميل دوركهايم كيف أن الخطر يولد "تلاحمًا ميكانيكيًا" يوحد المجتمع ضد عدو مشترك، سواء كان حقيقيًا أو وهميًا. هذا ما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر، حيث ارتفعت معدلات الإسلاموفوبيا بشكل هائل.

3.  **صعود الشعبوية:** البيئة المشحونة بالخوف هي الأرض الخصبة للقادة الشعبويين الذين يقدمون أنفسهم كمنقذين. خطابهم غالبًا ما يرتكز على تحديد "خطر قادم" (مثل المهاجرين أو النخب الحاكمة) وتوحيد الجماهير ضده.

 

### **كيف نحمي أنفسنا؟ نحو استهلاك إعلامي متوازن**

 

إدراك هذه الآليات هو الخطوة الأولى نحو التحرر من قبضتها. لا يمكننا تغيير طبيعة دماغنا، ولكن يمكننا تغيير طريقة تفاعلنا مع العالم من حولنا.

 

*   **كن واعيًا:** اعترف بوجود "السلبية المتحيزة" لديك، وتذكر أن ما تراه في الأخبار ليس انعكاسًا كاملًا للواقع.

*   **حدد وقتًا للأخبار:** خصص فترة زمنية محددة يوميًا لمتابعة الأخبار (مثل 15 دقيقة صباحًا ومساءً)، وتجنب التصفح العشوائي.

*   **ابحث عن الصحافة البنّاءة:** هناك وسائل إعلام تركز على الحلول والقصص الإيجابية. ابحث عنها وادعمها.

*   **تحقق قبل المشاركة:** لا تكن جزءًا من دورة انتشار الأخبار الكاذبة. تحقق من مصداقية الخبر قبل مشاركته.

*   **ركز على دائرة تأثيرك:** بدلًا من القلق بشأن أزمات عالمية لا تملك السيطرة عليها، وجه طاقتك نحو الأمور التي يمكنك تغييرها في مجتمعك وحياتك الشخصية.

 

فى الختام

 الانجذاب للأخبار السيئة هو جزء من تكويننا، لكن السماح له بالسيطرة على صحتنا النفسية وتصورنا للعالم هو خيار. من خلال الوعي والنقد والبحث عن التوازن، يمكننا استعادة الأمل في عالم يبدو أحيانًا غارقًا في الخسائر.

## **لماذا تجذبنا الأخبار السيئة؟ سيكولوجية الخوف وأرباح الكوارث**


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent